فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ}.
قال ابن عرفة: هذا إخبار عن الحكم، فلا يصح أن يكون الشرط الذي بعده قيدا فيه لأن متعلق الخبر حاصل في نفس الأمر سواء حصل الشرط أو لا. لأن حكم الله لا يتبدل فلا يحل لهن ذلك سواء آمنّ أو كفرن، ولابد أن يقال: إنه شرط في لازم ذلك الخبر. والتقدير لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فلا يكتُمنه إن كن يؤمن بالله، وهذا على سبيل التهييج لئلا يلزم عليه التكفير بالذنب وهو مذهب المعتزلة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} شرط أريد به التهديد دون التقييد، فهو مستعمل في معنى غير معنى التقييد، على طريقة المجاز المرسل التمثِيلي، كما يستعمل الخبر في التحسر والتهديد، لأنه لا معنى لتقييد نفي الحمل بكونهن مؤمنات، وإن كان كذلك في نفس الأمر، لأن الكوافر لا يمتثلن لحكم الحلال والحرام الإسلامي، وإنما المعنى أنهن إن كتمن فهن لا يؤمن بالله واليوم الآخر؛ إذ ليس من شأن المؤمنات هذا الكتمان.
وجيء في هذا الشرط بإنْ، لأنها أصل أدوات الشرط، ما لم يكن هنالك مقصد لتحقيق حصول الشرط فيؤتى بإذا، فإذا كان الشرط مفروضًا، فرضًا لا قصد لتحقيقه ولا لعدمه جيء بإن.
وليس لأنْ هنا، شيء من معنى الشك في حصول الشرط، ولا تنزيل إيمانهن المحقق منزلة المشكوك، لأنه لا يستقيم، خلافًا لما قرره عبد الحكيم.
والمراد بالإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان الكامل، وهو الإيمان بما جاء به دين الإسلام، فليس إيمان أهل الكتاب بالله واليوم الآخر بمراد هنا؛ إذ لا معنى لربط نفي الحمل في الإسلام بثبوت إيمان أهل الكتاب.
وليس في الآية دليل على تصديق النساء في دعوى الحمل والحيض كما يجري على ألسنة كثير من الفقهاء، فلابد من مراعاة أن يكون قولهن مشبهًا، ومَتَى ارتيب في صدقهن وجب المصير إلى ما هو المحقق، وإلى قول الأطباء والعارفين.
ولذلك قال مالك: لو ادعت ذات القروء انقضاء عدتها في مدة شهر من يوم الطلاق لم تصدق، ولا تصدق في أقل من خمسة وأربعين يومًا مع يمينها وقال عبد الملك: خمسون يومًا، وقال ابن العربي: لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، لأنه الغالب في المدة التي تحصل فيها ثلاثة قروء. اهـ.

.قال الخازن:

وفي سبب وعيد النساء بهذا قولان:
أحدهما أنه لأجل ما يستحقه الزوج من الرجعة. قاله ابن عباس.
والثاني أنه لأجل إلحاق الولد بغير أبيه قاله قتادة.
وقيل: كانت المرأة إذا رغبت في زوجها تقول: إني حائض وإن كانت قد طهرت ليراجعها وإن كانت زاهدة فيه كتمت حيضها وتقول قد طهرت لتفوته فنهاهن الله عن ذلك وأمرن بأداء الأمانة. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان الرجعي أخف الطلاق بين الرجعة تنبيهًا على أنه إن كان ولابد من الطلاق فليكن رجعيًا فقال تعالى: {وبعولتهن} أي أزواجهن، جمع بعل. قال الحرالي: وهو الرجل المتهيئ لنكاح الأنثى المتأتي له ذلك، يقال على الزوج والسيد- انتهى. ولما كان للمطلقة حق في نفسها قال: {أحق بردهن} أي إلى ما كان لهم عليهن من العصمة لإبطال التربص فله حرمة الاستمتاع من المطلقات بإرادة السراح {في ذلك} أي في أيام الأقراء فإذا انقضت صارت أحق بنفسها منه بها لانقضاء حقه والكلام في الرجعية بدليل الآية التي بعدها.
ولما أثبت الحق لهم وكان منهم من يقصد الضرر قيده بقوله: {إن أرادوا} أي بالرجعة {إصلاحًا} وهذا تنبيه على أنه إن لم يرد الإصلاح وأرادت هي السراح كان في باطن الأمر زانيًا. قال الحرالي: الإصلاح لخلل ما بينهما أحق في علم الله وحكمته من افتتاح وصلة ثانية لأن تذكر الماضي يخل بالحاضر، مما حذر النبي صلى الله عليه وسلم نكاح اللفوت وهي التي لها ولد من زوج سابق، فلذلك كان الأحق إصلاح الأول دون استفتاح وصلة لثان- انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو الحكم الثاني للطلاق وهو الرجعية، وفي البعولة قولان أحدهما: أنه جمع بعل، كالفحولة والذكورة والجدودة والعمومة، وهذه الهاء زائدة مؤكدة لتأنيث الجماعة ولا يجوز إدخالها في كل جمع بل فيما رواه أهل اللغة عن العرب، فلا يقال في كعب: كعوبه، ولا في كلب: كلابة، واعلم أن اسم البعل مما يشترك فيه الزوجان فيقال للمرأة بعلة، كما يقال لها زوجة في كثير من اللغات، وزوج في أفصح اللغات فهما بعلان، كما أنهما زوجان، وأصل البعل السيد المالك فيما قيل، يقال: من بعل هذه الناقة؟ كما يقال: من ربها، وبعل اسم صنم كانوا يتخدونه ربًا، وقد كان النساء يدعون أزواجهن بالسودد.
القول الثاني: أن البعولة مصدر، يقال: بعل الرجل يبعل بعولة، إذا صار بعلًا، وباعل الرجل امرأته إذا جامعها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أيام التشريق: أنها أيام أكل وشرب وبعال وامرأته حسنة البعل إذا كانت تحسن عشرة زوجها، ومنه الحديث: «إذا أحسنتن ببعل أزواجكن» وعلى هذا الوجه كان معنى الآية: وأهل بعولتهن. وأما قوله: {أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ فِي ذلك} فالمعنى: أحق برجعتهن في مدة ذلك التربص. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أرادوا إِصْلاَحًا}.
ظاهر هذه الآية الكريمة أن أزواج كل المطلقات أحق بردهن، لا فرق في ذلك بين رجعية وغيرها.
ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البائن لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
وذلك لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما أنه أشار هنا إلى أنها إذا بانت بانقضاء العدة لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]. لأن الإشارة بقوله: {ذَلِكَ} راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه في الآية بثلاثة قروء.
واشترط هنا في كون بعولة الرجعيات أحق بردهن إرادتهم الإصلاح بتلك الرجعة، في قوله: {إِنْ أرادوا إِصْلاَحًا} [البقرة: 228] ولم يتعرض لمفهوم هذا الشرط هنا، ولكنه صرح في مواضع أخر: أن زوج الرجعية إذا ارتجعها لا بنية الإصلاح بل بقصد الإضرار بها. لتخالعه أو نحو ذلك، أن رجعتها حرام عليه، كما هو مدلول النهي في قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تتخذوا آيَاتِ الله هُزُوًا} [البقرة: 231].
فالرجعة بقصد الإضرار حرام إجماعًا، كما دل عليه مفهوم الشرط المصرح به في قوله: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: 231] الآية وصحة رجعته حينئذ باعتبار ظاهر الأمر، فلو صرح للحاكم بأنه ارتجعها بقصد الضرر، لأبطل رجعته كما ذكرنا، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {إن أرادوا إصلاحًا} شرط قصد به الحث على إرادة الإصلاح، وليس هو للتقييد.
لا يجوز أن يكون ضمير {لهن} عائدًا إلى أقرب مذكور وهو {المطلقات}، على نسق الضمائر قبله؛ لأن المطلقات لم تبق بينهن وبين الرجال علقة حتى يكون لهن حقوق وعليهن حقوق، فتعين أن يكون ضمير {لهن} ضمير الأزواج النساء اللائي اقتضاهن قوله: {بردهن} بقرينة مقابلته بقوله: {وللرجال عليهن درجة}. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {إِنْ أَرَادُواْ إصلاحا} فالمعنى أن الزوج أحق بهذه المراجعة إن أرادوا الإصلاح وما أرادوا المضارة، ونظيره قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَقَدْ ظَلَمَ نفسه} [البقرة: 231] والسبب في هذه الآية أن في الجاهلية كانوا يرجعون المطلقات، ويريدون بذلك الإضرار بهن ليطلقوهن بعد الرجعة، حتى تحتاج المرأة إلى أن تعتد عدة حادثة، فنهوا عن ذلك، وجعل الشرط في حل المراجعة إرادة الإصلاح، وهو قوله: {إِنْ أَرَادُواْ إصلاحا}.
فإن قيل: إن كلمة {إِنْ} للشرط، والشرط يقتضي انتفاء الحكم عند انتفائه، فيلزم إذا لم توجد إرادة الإصلاح أن لا يثبت حق الرجعة.
والجواب: أن الإرادة صفة باطنة لا اطلاع لنا عليها، فالشرع لم يوقف صحة المراجعة عليها، بل جوازها فيما بينه وبين الله موقوف على هذه الإرادة، حتى إنه لو راجعها لقصد المضارة استحق الإثم. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما اخرج أمر الرجعة عنهن جبرهن بقوله: {ولهن} أي من الحقوق {مثل الذي عليهن} أي في كونه حسنة في نفسه على ما يليق بملك منهما لا في النوع، فكما للرجال الرجعة قهرًا فلهن العشرة بالجميل، وكما لهم حبسهن فلهن ما يزيل الوحشة بمن يؤنس ونحو ذلك. ولما كان كل منهما قد يجور على صاحبه قال: {بالمعروف} أي من حال كل منهما. قال الحرالي: والمعروف ما أقره الشرع وقبله العقل ووافقه كرم الطبع- انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ} فاعلم أنه تعالى لما بين أنه يجب أن يكون المقصود من المراجعة إصلاح حالها، لا إيصال الضرر إليها بين أن لكل واحد من الزوجين حقًا على الآخر.
واعلم أن المقصود من الزوجين لا يتم إلا إذا كان كل واحد منهما مراعيًا حق الآخر، وتلك الحقوق المشتركة كثيرة، ونحن نشير إلى بعضها فأحدها: أن الزوج كالأمير والراعي، والزوجة كالمأمور والرعية، فيجب على الزوج بسبب كونه أميرًا وراعيًا أن يقوم بحقها ومصالحها، ويجب عليها في مقابلة ذلك إظهار الانقياد والطاعة للزوج وثانيها: روي عن ابن عباس أنه قال: إني لأتزين لأمرأتي كما تتزين لي لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ} وثالثها: ولهن على الزوج من إرادة الإصلاح عند المراجعة، مثل ما عليهن من ترك الكتمان فيما خلق الله في أرحامهن، وهذا أوفق لمقدمة الآية. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن من الطاعة، فيما أوجبه الله تعالى عليهن لأزواجهن، وهو قول الضحاك.
والثاني: ولهن على أزواجهن من التصنع والتزين، مثل ما لأزواجهن، وهو قول ابن عباس.
والثالث: أن الذي لهن على أزواجهن، ترك مضارتهن، كما كان ذلك لأزواجهن، وهو قول أبي جعفر. اهـ.